الجزء الأول من تأسيس الشركات الناشئة الناجحة.
تشكّل الشركات الناشئة الناجحة نسبة ضئيلة من مجمل الشركات المُنشأة، لا تتجاوز ال 10% في أفضل الأحوال. تبدأ هذه الشركات بفكرة مبتكرة قابلة للاختبار والتنفيذ وتنتهي بشركة مستدامة ورابحة. انضموا إليّ لنتعرّف على طريقة علمية وبسيطة للبحث عن فكرة مبتكرة لشركة ناشئة.

 تعتبر هذه التدوينة تجربتي الكتابية الأولى بعيدا عن مواضيع التعبير التي كنت أكلف بها أيام المدرسة أو المواضيع المتعلقة بإدارة شركتي من تسويق وتصميم خطط العمل. لذا أود منكم قراءتها من منظور ناقد مجتهد يبحث عن الكمال. مضى أسبوعين وأنا عاجز عن كتابة حرف واحد إلى أن استوحيت فكرة هذه التدوينة من نقاش دار بيني وبين زميل لي حول مشروع تأسيس شركة ناشئة جديدة لتكون عضوا جديدا ضمن مجموعة زمرد التي أقوم بإدارتها التنفيذية. بدأ النقاش حين عرضت عليه نموذج العمل لفكرة الشركة وطلبت منه أن يساعدني في إيجاد نقاط الضعف فيه والعوامل التي قد تساهم في فشل المشروع.   

بدأت عملية واسعة من مراجعة تجاربي السابقة والبحث عبر الإنترنت وقراءة الكتب المتخصصة في ريادة الأعمال لكي أستكشف عوامل نجاح وأسباب فشل الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. عثرت خلال عملية البحث على دراسة أجرتها  شركة ماكينزي العالمية للاستشارات، تشير إلى أن المنطقة تمتلك طاقات كبيرة غير مستغلة في ريادة الأعمال. ففي المجال الرقمي على سبيل المثال تم استغلال 8% فقط مما هو ممكن. وفي دراسة أخرى نشرها المرصد العالمي لريادة الأعمال جاء أن نسبة الذين لا يستمرون في شركاتهم الناشئة كبيرة بسبب قلة الأرباح أو لأسباب تتعلق بالتمويل.

لذا قررت أن أكتب عن كيفية تأسيس الشركات الناشئة مستعرضاً عوامل نجاحها مصحوبةً بقصص واقعية من تجاربي الخاصة والمنطقة والعالم. سأبدأ بكيفية توليد أفكار تتمتع باحتمالية نجاح كبيرة، ثم سأتبعها بتدوينات أخرى عن كيفية تصميم نماذج العمل وخطط التسويق واختيار فريق العمل وإدارته، بالإضافة إلى إدارة الجوانب المالية وكيفية جمع الأموال من الممولين والبحث عنهم لتوسيع الشركة وتعزيز نموها. يبين الشكل في الأسفل مراحل تأسيس الشركات الناشئة:

مراحل تأسيس الشركات الناشئة

 

أدعوكم إلى قراءة هذه التدوينات بتمعن والتفاعل معها وتزويدنا بآرائكم حول محتواها لنقوم بتحسينها وتطويرها بما يحقق الفائدة للجميع.

توليد أفكار شركات ناشئة تتمتع باحتمالية نجاح كبيرة

قبل الخوض في آلية توليد الأفكار سأقوم بسرد قصة فكرة شركة ناشئة كان ينوي بعض الأصدقاء البدء بها في مطلع هذا العام ولكنهم قرروا إيقافها بعد أن وضعوها موضع التجربة والاختبار.

أدى توقف عجلة الإنتاج في شمال غرب سوريا إلى اعتماده بشكل كبير على البضائع المستوردة من تركيا. لذلك قرروا الاستثمار تجاريا في هذا الإطار لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمواطني المنطقة من البضائع التركية، ولكن أي بضائع؟ بعد عملية تحليل غير معقدة اكتشفوا أن إنتاج المواد الزراعية قد تدهور كثيراً (وبالأخص علف الحيوانات) ولم يعد يفي بمتطلبات المنطقة، لذلك انطلق المؤسسون بكل ثقة لملء هذه الفجوة السوقية والاستثمار بعائد قد يصل إلى 40% سنوياً.

بالرغم من أنهم لم يجروا أي تجربة على الفكرة، كانوا متأكدين من نجاحها، ولكن الأفكار شيء والتنفيذ شيء آخر (تعلموا من كيسهم بالعامية السورية).

بدأ المؤسسون التواصل مع المورّدين في تركيا من خلال زيارة البورصة الزراعية والمستودعات والمزارع من جهة والمستوردين في سوريا من جهة أخرى. بدا الأمر في البداية سهلاً وأنهم سيحققون نجاحاً تجارياً كبيراً. أنتجت عملية التواصل صفقة لتصدير 1000 طن من الشعير الأبيض من تركيا إلى سوريا وهي بداية جيدة. انتقلوا بعدها إلى التحضير للعملية من خلال الاتفاق مع الموردين وأخذ منهم عينات وإرسالها إلى المستوردين الذين في كل مرة كانت تصلهم هذه العينات يقولون إن العينات لا تتناسب مع الاحتياجات المحلية، إلى أن تم التوصّل إلى العينة المناسبة بعد جهد جهيد. ولكن المورّد الذي أخذت منه هذه العينة لم يكن يملك سوى 250 طن من الكمية المطلوبة. مع ذلك عقدوا معه اتفاق لشراء كامل الكمية وتصديرها مباشرة. قبل عملية التحميل بساعات قليلة اكتشفوا أن العينة التي أعطاها لهم المورّد لا تعكس جميع الكمية الموجود لديه، حيث أن هناك أجزاء متعفنة وغير قابلة للاستخدام. فقاموا بإلغاء الاتفاق مباشرةً وقرروا إلغاء الصفقة والتراجع قليلاً لإجراء عملية تحليل أعمق لفكرة المشروع. أدت عملية اعادة النظر إلى تأجيل فكرة الاستثمار التجاري بين شمال سوريا وتركيا ريثما يقومون بتطوير نموذج عمل أكثر مرونة وقدرة على التأقلم مع بيئة شديدة المخاطر.

نستنتج من ذلك أن الفكرة بحد ذاتها لا تكفي لإنجاح الشركة الناشئة حتى ولو بدت واعدة. هناك عوامل خارجية وداخلية يجب أخذها بعين الاعتبار قبل تنفيذها. فعلى الصعيد الداخلي لهذه الفكرة كانوا يفتقدون الخبرة في التعامل مع المحاصيل الزراعية وضمان جودتها للزبائن بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع شريحة المورّدين هذه والقواعد التي يتبعونها لممارسة أعمالهم والتي تخلو من الأوراق الرسمية وتعتمد على الوعود والثقة بشكل أساسي، وهنا من الجدير بالذكر أن عملية البحث عن موردين موثوقين ضمن هذا السياق صعبة جداً وتحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت. على الصعيد الخارجي، كانت البيئة القانونية في المنطقة التي سيتم التصدير إليها ضعيفة وتعاني من الفوضى مما وضع المؤسسين في مواجهة مخاطر كبيرة.

ما لم توضع الأفكار الواعدة موضع الاختبار قبل تنفيذها قد تودي بصاحبها إلى الفشل. إذاً كيف نجد فكرة الشركة الناجحة؟ في الفقرات القادمة سأستعرض لكم طرق توليد الأفكار ومقارنتها ووضعها موضع التجربة قبل تنفيذها لضمان اختيار الفكرة التي تتمتع باحتمالية النجاح الأكبر.

تمر عملية توليد الأفكار بعدة مراحل قبل الوصول للفكرة الرابحة. في البداية نقوم بتحديد مشاكل أو احتياجات أو رغبات الزبائن ومن ثم نقوم بجمع 100 فكرة لمعالجتها، ليتم بعد ذلك اختصارها إلى 20 ومن ثم تقليصها إلى 3 أفكار قابلة للاختبار. نتائج هذا الاختبار ستقودنا إلى فكرتنا المنشودة.

مراحل توليد أفكار الشركات الناشئة

مراحل توليد أفكار الشركات الناشئة

1. تحديد مشاكل واحتياجات الزبائن

لكي نستطيع البدء بتوليد الأفكار، يجب أن نقوم بتحديد احتياجات أو مشاكل واضحة يعاني منها الزبائن في البداية. من القصة السابقة يمكننا توصيف المشكلة بالشكل التالي: "يعاني مربو الماشية شمال غرب سوريا من نقص كبير في المواد الأولية لعلف الحيوانات بسبب توقف الإنتاج المحلي".

يجدر بالذكر أن ليس جميع المشاكل أو الاحتياجات تكون ظاهرة بشكل واضح، فبعضها يحتاج إلى عملية تحليل وبحث. وبعضها الأخر يأتي على شكل تحسينات وتطويرات تسهل حياة المستفيدين وأحياناً أخرى تكون بهدف إرضاء رغباتهم (هواتف الأي فون الفاخرة التي تشعر مالكيها بالتمييز عن غيرهم).

أمثلة عن المشاكل والاحتياجات والرغبات
الرغبات والتطلعات
وهي تصف ما يريد الزبائن تحقيقه وإنجازه فوق أي شيء آخر
مثال1: "احلم في تأسيس عملي الخاص والتخلص من وظيفتي المملة والمحدودة الدخل”
مثال2: "أحب أن أكون أنيقاً ومتميزاً عن الآخرين"
مثال3: "احلم في توسيع شركتي لتعمل في بلدان أخرى"
الآلام و المخاوف
وهي ما يريد الزبائن تفاديه أو التخلص منه
مثال1: "لا أريد أن تظهر رائحة فمي أثناء الحديث مع الأخرين"
مثال2: "أخاف من أن تظهر شركتي بشكل غير لائق أمام الزبائن بسبب الترجمة غير المناسبة ثقافياً لهم"
مثال3: "أخاف أن أخسر زبائن شركتي بسبب صعوبة استخدام موقعها على الإنترنت"

الحواجز
وهي ما يعيق الزبائن من تحقيق أهدافهم.

مثال1: "أريد البدء بعملي الخاص، ولكن لا أعرف من أين أبدأ"
مثال2: "غياب استراتيجيات التسويق الإلكتروني في شركتنا يمنعنا من توسيع قاعدة زبائننا"
مثال3: "يصعب علينا التواصل مع زبائن يتكلمون لغات أخرى أو يختلفون عنا ثقافيا"

الاحتياجات الأساسية
وهي ما يحتاجه الزبائن لممارسة حياتهم أو أعمالهم بشكل طبيعي.

مثال1: "نحتاج إلى شركة استضافة مواقع لنطلق موقع شركتنا عبر الإنترنت"
مثال2: "نحتاج إلى مطوري مواقع لكي نبني متجراً الكترونياً على الإنترنت"
مثال3: "الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وانترنت ووسائل اتصال ونقل إلخ..."

 

مثال عن تحديد المشاكل من خلال التحليل والبحث

تعاقدت شركتنا العام الماضي مع أكبر شركة للاستثمار العقاري في مدينة غازي عنتاب التركية لرفع قدرتها على مواجهة مستويات التضخم الآخذة بالارتفاع بشكل كبير في البلاد والتي انعكست سلباً على حجم مبيعاتها. أجرى فريق تطوير الأعمال في شركتنا عدة مقابلات مع إدارة الشركة وموظفيها لمعرفة الآلية التي يتبعونها في اجتذاب الزبائن والتواصل معهم. وبعد شهر من التحليل والبحث اكتشف فريقنا أن موظفي الشركة لا يملكون آلية واضحة لإدارة التواصل مع الزبائن. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد أصحاب العقارات يتواصل مع الشركة لبيع أو تأجير عقاره، فإن أحد موظفي الشركة يقوم بزيارته لتقييم العقار وإذا كان مناسباً يقوم بالتقاط صور له ومن ثم تحميلها على موقع الإنترنت بعد نقلها إلى الحاسب الآلي. من الواضح أن هذه العملية تأخذ وقتاً طويلاً لكي تتم. لذا قمنا بإيجاد حل لهذه المشكلة من خلال تطوير نظام لإدارة الزبائن مصحوباً بموقع انترنت و تطبيق هاتف محمول. يقوم مالك العقار بتحميل التطبيق على هاتفه ويقوم من خلاله بتصوير عقاره وإرساله للشركة. يتلقى موظف الشركة المسؤول عن المنطقة التي يتواجد فيها المالك الطلب بشكل تلقائي ويقوم بتقييمه بشكل أولي قبل زيارة العقار وقبوله. عند قبول الطلب يظهر إعلان عن العقار بشكل تلقائي على موقع الإنترنت ويصبح متاحاً للبحث عن طريق تطبيق الهاتف المحمول. أدت هذه العملية إلى زيادة عدد الطلبات التي يستطيع كل موظف معالجتها بنسبة تصل إلى 30% مما ساعد الشركة على توسيع نطاق عملها دون الحاجة إلى توظيف موظفين جدد.
بعد انتهاء المشروع، قمنا بالتواصل مع شركات تطوير عقاري أخرى فاكتشفنا أن أغلبها يعاني من نفس المشكلة. بناءاً على ذلك طورنا فكرة إنشاء نظام سحابي لإدارة الشركات العقارية في تركيا أضفناها إلى بنك الأفكار القابلة للاستثمار مستقبلاً.


2. جمع الأفكار

بعد أن قمنا بتوصيف وتحليل احتياجات الزبائن، سنقوم بجمع 100 فكرة لسدها. ولكن من أين نستوحي هذه الأفكار؟ وكيف نقوم بجمعها؟

2.1 مصادر الأفكار

تقسم الأفكار إلى أفكار تقليدية كما مر معنا في مثال شركة الاستثمار التجاري وأفكار مبتكرة مثل فكرة النظام السحابي لإدارة الشركات العقارية. لكن ما الفرق؟ ولماذا يعتبر ذلك مهما؟ الأفكار التقليدية تكون مبنية على الاحتياجات الأساسية للناس كالطعام والملابس والتعليم والماء والإنترنت إلخ... لذا يكون مستوى المنافسة في الاستثمار فيها مرتفعا جداً ومصحوباً بعائد ربحي محدود (كونها بديهية وستخطر ببال أغلب من يودون الاستثمار دون إضاعة الجهد في التحليل والابتكار). بالمقابل فإن الاستثمار في الأفكار المبتكرة الجديدة لا يعاني من نفس المستوى من المنافسة ويملك امكانية ربح غير محدودة. لذلك سأركّز على توليد الأفكار المبتكرة. 

إذا كنت تعمل في مجال معين لفترة طويلة، فإنك قد تكون اكتشفت فجوات سوقية لم يقم أحد من قبلك بسدها وأنت على يقين من نجاح فكرتك بسبب خبرتك الطويلة في هذا المجال ومعرفتك العميقة باحتياجات الزبائن. يمكنك متابعة القراءة للتعرف على كيفية اختبار فكرتك والتأكد من صحة اكتشافك. أما إذا أردت أن تبدأ شركتك الناشئة وليس لديك أدنى فكرة من إين تبدأ وبماذا، ستساعدك الفقرات القادمة على توليد أفكار ابداعية واختبارها قبل المغامرة بمواردك.

سنبدأ بمن أين نستوحي الأفكار؟

الاستيحاء من سياقات أخرى

يمكنك البحث عن أفكار تم تطبيقها بنجاح في دول ومدن أخرى و من ثم تكييفها لتتناسب مع مدينتك وثقافتك. على سبيل المثال استوحى مؤسس ستاربكس هاورد شولتز فكرته أثناء إحدى زيارته لإيطاليا. لاحظ هاورد خلال زيارته كيف يقضي الطليان حياة اجتماعية ممتعة في المقاهي المفتوحة والاستماع الى الموسيقى الكلاسيكية. بالمقارنة إذا اراد الأمريكيون احتساء القهوة والتواصل الاجتماعي فإنهم يذهبون إلى المطاعم والمقاهي التقليدية. قام هاورد بنسخ النموذج الإيطالي للمقاهي إلى الولايات المتحدة مع بعض التعديلات، حيث قام باستبدال الموسيقى الكلاسيكية بموسيقى الجاز و تزويد مقاهيه ببعض المقاعد المريحة لكي يوفر للزبائن جواً مريحاً للاستمتاع بقهوتهم. حققت هذه التجربة نجاحا مذهلا حيث استحوذت ستاربكس على حصة سوقية تتجاوز ال 30% من قطاع المقاهي في الولايات المتحدة الأمريكية.

كمثال أخر من منطقة الشرق الأوسط نذكر أن مؤسسي الموقع التجاري المعروف في تركيا "غيتي غيديور" استوحوا فكرتهم من الموقع العالمي "إيباي" مستفيدين من انتشار الأنترنت و أنظمة الدفع المالي الإلكتروني في البلاد. حقق المشروع نجاحا كبيرا انتهى باستحواذ "إيباي" عليه و تحقيق ثروات كبيرة لمؤسسيه.

تطعيم منتجات مختلفة مع بعضها البعض

يمكنك تطعيم منتجات موجودة في الواقع مع بعضها البعض لخلق منتجات ابداعية جديدة تماماً. تعتبر الهواتف المحمولة الحديثة مثالاً على ذلك. فقد تم تطعيم الهواتف بكاميرات وشرائح للاتصال بشبكات الإنترنت مما جعل منها منتجاً بديلاً عن الكاميرات المنزلية و الهواتف التقليدية و أجهزة الحاسب الموصولة على الإنترنت. لاقت الهواتف الحديثة نجاحاً كبيراً منقطع النظير لدرجة أن أكثر من 60% من سكان الأرض يملكون هواتف حديثة متصلة بالإنترنت.

مثال أخر: انتشرت مؤخراً التقنيات القابلة للبس التي تقوم بقياس المؤشرات الحيوية للإنسان أثناء الرياضة أو النوم أو العمل. قامت شركة "هيكسو سكن" بتصميم قميص رياضي مزود بحساسات وتطبيق موبايل يقوم بقياس عدد نبضات القلب و انتظام التنفس ومستوى التعرق ومن ثم تحليها لإعطاء توصيات صحية لمرتديها. حققت "هكسو سكن" نجاحاً ملحوظاً بعائدات سنوية تقدر ب 10 مليون دولار واجتذبت انظار وكالة الفضاء الكندية التي قامت بتزويد رواد الفضاء لديها بهذا القميص للحصول على بيانات فورية حول مؤشراتهم الحيوية أثناء رحلاتهم إلى الفضاء.

تطوير حلول لمشاكل لم تتم معالجتها بعد

وهي أن تقوم بتطوير منتجات جديدة تماما لمعالجة مشاكل لم يتم حلها بعد. و كمثال على ذلك نذكر كيف لاحظ ستيف جوبز أن أغلب مستخدمي "الأيبود" يعانون من صعوبة في تحميل الموسيقى إليه من الحاسب الآلي، عندها خطر له تطوير نظام يسهل هذه العملية على المستخدمين. ولد "الأي تيونز" نتيجة لذلك محققا نجاحاً منقطع النظير و متربعاً على صدارة بيع الموسيقى في العالم.

2.2. جمع الأفكار

الأن يمكنك جمع فريق عملك أو شركائك لإجراء عملية عصف ذهني لجمع 100 فكرة معتمدون على مصادر الاستيحاء التي استعرضتها قبل قليل لحل المشاكل أو سد الاحتياجات التي قمنا بتوصيفها سابقاً. تستخدم الخرائط الذهنية كأداة لتنظيم الأفكار الناتجة عن العصف الذهني. الخرائط الذهنية هي عبارة عن شجرة من العقد تبدأ بعقدة أُم واحدة وتتفرع عنها و عن أفرعها عقد أخرى تمثل الأفكار التي نجمعها.

أثناء توليد الأفكار نضع شريحة الزبائن التي نستهدفها كعقدة أُم يتفرع عنها مشاكلهم واحتياجاتهم، ومن ثم يتفرع من كل مشكلة مجموعة الأفكار التي تساهم في حلها. وهنا قد نلاحظ أن هناك مجموعة من الأفكار تحل أكثر من مشكلة أو يمكن دمجها مع بعضها البعض. ومن الممكن أيضاً أن يتفرع من الأفكار أفكار فرعية.

استخدام الخرائط الذهنية في العصف الذهني

مثال عن استخدام الخرائط الذهنية في العصف الذهني

من المفيد أن نذكر هنا أن هناك العديد من البرامج الإلكترونية المفيدة لرسم الخرائط الذهنية، أنا استخدم "بلومايند" لأنه مجاني و سهل الاستخدام.

2.3. اختصار الأفكار

إعادة التصنيف والتجميع أو التجاهل

الأن وبعد أن أصبح لدينا 100 فكرة، سنقوم باختصارها إلى 20 من خلال عملية إعادة التصنيف والدمج. من خلال النظر إلى شجرة الأفكار السابقة، نلاحظ أنه يمكننا دمج الأفكار الملونة بالأرجواني في فكرة وحدة "تصميم وبرمجة نظام إداري متعدد اللغات مدعوم بتطبيق هاتف محمول لإدارة موظفي المبيعات في الشركات العقارية ورفع كفاءة تواصلهم مع الزبائن ". كما سنقوم بتجاهل الأفكار التي لا تتناسب مع إمكانياتنا أو التي نعتقد أنها لن تدر أرباحا كبيرة كما هو موضح في العقدة الملونة باللون الأحمر.

إعادة تصنيف وتجميع الأفكار

مثال عن إعادة تصنيف وتجميع الأفكار

المقارنة

ستنتج العملية السابقة 20 فكرة متمايزة لحل مشكلة أو سد احتياج شريحة معينة من الزبائن أو عدة شرائح. فكيف نختار أفضل ثلاثة أفكار من بينها؟ نقوم بمقارنة الأفكار الناتجة بناء على المعايير التالية:

الثقة في الشراء: وهي الثقة في أن الزبائن سيشترون منتجي أو خدمتي من خلال الإجابة على السؤالين التاليين: هل يملك الزبائن المال لشراء منتجي أو خدمتي؟ إذا كانوا يملكون المال، هل لديهم الإرادة للشراء؟

مثال: أغلب الشركات العقارية الكبيرة تملك المال والإرادة لشراء أنظمة متطورة تساعدها على زيادة أرباحها.

سهولة الإنتاج أو التنفيذ: وهي تقيس مدى سهولة تطوير المنتج أو الخدمة التي نود تقديمها للزبون. وهي تتضمن ثلاث عناصر: الموارد اللازمة للإنتاج ومدى توفرها لدينا وسهولة التصنيع ومدى كفاءتنا في ذلك والزمن اللازم للإنتاج.

مثال: يتطلب تطوير نظام إداري لإدارة الشركات العقارية 3 أشخاص عارفين بتصميم وبرمجة وتسويق البرامج الإلكترونية. كما يحتاج إلى 6 أشهر لإتمام بناءه بشكل تقريبي. لنفترض أنك واحد من هؤلاء الأشخاص، عندها تحتاج إلى شخصيين إضافيين، سنفترض أن راتب كل منهم 1000 وحدة نقدية. سنحتاج أيضاً 5000 وحدة نقدية لترويج المنتج لأول 100 زبون. ستكون التكلفة الكلية  2*6*1000 + 6000 = 17000 ، بعدها نقوكم بالإجابة على الأسئلة التالية:
هل يتوفر أشخاص بالكفاءة المطلوبة لتطوير المنتج؟ هل نملك هذا المبلغ من المال؟ هل أستطيع البقاء دون دخل خلال فترة التنفيذ؟ هل أستطيع إدخال هؤلاء الأشخاص شركاء في الشركة مقابل جهدهم لتوفير مصاريف التأسيس.

العائد المحتمل: وهي الأرباح المتوقعة من بيع المنتج، وهي تعتمد على حجم السوق (مثال: عدد الشركات العقارية التي تحتاج منتجنا) وقيمة المنتج (القيمة التي يود الزبائن دفعها فيه مقارنة بتكلفته).

مثال: إذا كان منتجنا سيوفر 30 % من وقت 30 موظف مبيعات راتب كل منهم 800 وحدة نقدية. عندها سيوفر منتجي على الشركة 7200 وحدة نقدية كل شهر. سنقوم بطلب 20% من هذه المبلغ من الشركة كسعر لمنتجنا، أي 1440 وحدة نقدية كل شهر. إذا استطعنا جذب 20 زبون من هذا النوع عندها سيكون لدينا عائد سنوي بقيمة 345600 وحدة نقدية. بفرض أن تكاليف تشغيل الشركة السنوية المفترضة لخدمة 20 زبون هو 150000. عندها سيكون هامش الربح المفترض بعد خصم مصاريف التأسيس هو 107% وهو عائد ربحي كبير جداً.

نقوم بتعيين هذه المعايير لكل منتج من خلال إعطائها علامة من 0 إلى 10 ومن ثم ضربها ببعضها للحصول على جدوى كل فكرة. سيتضح من الجدول الأفكار ذات الجدوى الأعلى.

الفكرة

الثقة في الشراء

سهولة التنفيذ

العائد المحتمل

النتيجة

تطوير نظام إداري متعدد اللغات مدعوم بتطبيق موبايل لإدارة موظفي المبيعات وتسهيل عملية التواصل مع الزبائن في الشركات العقارية التي تملك أكثر من 30 موظف.

5

4

6

120

تقديم خدمات استشارية في تحسين إدارة العمليات للشركات العقارية المتوسطة والكبيرة

2

9

2

36

تطوير نظام الكتروني لطلب الوجبات المحضرة منزلياً لموظفي الشركات والبنوك

7

7

4

196

تطوير جهاز خفيف وشخصي يقوم بحديد الحالة الطبية للإنسان من خلال تحليل مكونات هواء الزفير يتم وصله إلى تطبيق الموبايل لمشاهدة النتائج

8

2

8

128

تطوير تطبيق موبايل ليتابع سلوك سائقي السيارات لتحليل أسباب الحوادث ومكافئة (حسومات على تأمين السيارات مثلا) السائقين الذين يحترمون قواعد السلامة

5

2

4

40

 

2.4. اختبار الأفكار

أصبح الأن لدينا ثلاث أفكار مميزة لإنشاء شركاتنا الناشئة. بأي منها نبدأ شركتنا الناشئة؟

نقوم بإنتاج منتج بالحد الأدنى من المواصفات أو تحضير توصيف للخدمات التي سنوفرها. بعد ذلك نختار عينة من الزبائن المحتملين ونعرض عليهم ما انتجناه ونقيس ردود أفعالهم على أرض الواقع.

لنفترض أننا طورنا نظام تجريبي لإدارة الشركات العقارية (قد يتكون النظام من واجهات زائفة بغرض العرض فقط)، ثم قمنا باختيار 20 زبون محتمل من مناطق مختلفة وعرضناه عليهم، بعدها 6 زبائن أبدو رغبهم في شراء المنتج و3 أرادو تجربته قبل شراءه. عندها يكون لدينا معدل قبول = 9/20 = 45% وهي نسبة جيدة تنبئ بامتلاك حصة سوقية كبيرة من سوق برامج إدارة العقارات. نكرر نفس الشيء للأفكار الأخرى لنقيس معدل القبول فيها. في النهاية نأخذ الفكرة ذات الناتج الأعلى من ضرب معدل القبول والعلامة الناتجة من جدول المقارنة.

الفكرة

الثقة في الشراء

سهولة التنفيذ

العائد المحتمل

معدل البيع

النتيجة

تصميم وبرمجة نظام إداري متعدد اللغات مدعوم بتطبيق موبايل لإدارة موظفي المبيعات وتسهيل عملية التواصل مع الزبائن في الشركات العقارية المتوسطة والكبيرة

5

4

6

0.45

54

تطوير نظام الكتروني لطلب الوجبات المحضرة منزليا لموظفي الشركات والبنوك

7

7

4

0.2

39.2

تطوير جهاز خفيف وشخصي يقوم بحديد الحالة الطبية للإنسان من خلال تحليل مكونات هواء الزفير يتم وصله إلى تطبيق الموبايل لمشاهدة النتائج

8

2

8

0.3

38.4


وبذلك أنهي تدوينتي هذه بعد أن استعرضت طريقة علمية وسهلة لتوليد أفكار شركات ناشئة واعدة. بدأنا بتحديد مشاكل أو احتياجات أو رغبات الزبائن المحتملين لشركتنا ومن ثم استخدمنا العصف الذهني لتوليد 100 فكرة لحل وسد تلك المشاكل والاحتياجات، ثم قمنا باختصارها إلى 20 فكرة من خلال عملية إعادة تصنيف وتجميع والتي بدورها قمنا بمقارنتها بناء على الثقة في الشراء وسهولة النفيذ والعائد المحتمل لتصبح 3 أفكار. في النهاية قمنا باختبار الأفكار الناتجة من خلال عرضها على عينة متنوعة من الزبائن لنحصل على فكرتنا الرابحة والتي سنبدأ بها شركتنا الناشئة.


كتبت من قبل
ابراهيم عبد الحسين

أنا إبراهيم عبد الحسين، مهندس برمجيات، امتلك 10 سنوات من الخبرة العملية في تطوير برمجيات إدارة المؤسسات. حلمي هو رفع كفاءة الشركات التقنية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، من خلال تحسين قدراتها في الابتكار وجعلها أكثر ربحية واستدامة.